فصل: الفصل الثامن والستون (تابع المواعظ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***


الفصل السادس والستون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

يا مشغولاً بأمله، عن ذكر أجله، راضياً في صلاح خلاله بخلله، هل أتى المساكن لكسله إلا من قبله‏.‏

أضحى لك في قبضة المطامع آمال *** ترجو دركاً والردى لعمرك مغتال

هل أنت معدٌ ليوم حـشـرك زاداً *** يوماً بجد الفوز بالقـيمة عـمـال

إن أغفلك الدهر برهة فـسـيأتـي *** ك على غفلة بحتفك مـعـجـال

بادر بمتاب فربما طـرق الـمـو *** ت بسهم من الـمـنـية قـتـال

أين المتحامون عن زخـارف دنـيا *** إن أوطنت المرء عقبته بتـرحـال

خلابة عقل بـبـاطـل مـتـمـاد *** غرارة صاد رأي المطامع كـالال

إن شيم سحاب لها فـذاك جـهـام *** أو ظن بها وابـل فـذلـك خـال

دع عنك حديث الركاب أين تولـت *** أو ذكر ديار بها العفـاء وإطـلال

يا حسرة من أنفق الحـياة غـروراً *** قد باع لها الفرصة الرخيصة بالغال

لا تحتقر الذنب فالصحائف تحصـى *** ما كنت تناسيت من قبائح أفـعـال

يا ضاحكاً ملء فيه سروراً واغتباطاً، وقد ارتضيت له المنون خيل التلف ارتباطاً، أما بسط الإنذار على باب الدار بساطاً‏؟‏ أما الحادي مجد‏.‏ فما للمنادي يتباطى‏؟‏ أيحسن بالكبير أن يتمرس الهوى ويتعاطى‏؟‏ عجباً لعالم يقرب المنايا، كيف لا ينتهب التقى التقاطاً، ولجسد بال، جر بالعجب والرياء رياطا، إلى كم هذا الإسراع في الهوى والوجيف‏؟‏ وباب البقاء في الدنيا قد سد وجيف، إن الأمن في طريق قد أخيف، رأي رذيل‏.‏ وعقل سخيف، يا من يجمع العيب إلى الشيب، ويضيف، لا الماء بارد، ولا الكوز نظيف، إن إيثار ما يفنى على ما يبقى لمزيف لا ظريف، كم أتى خريف وكم أناخ ريف، ويكفي من الكل كل يوم رغيف، أيجوع بشر الحافي‏؟‏ ويشبع وصيف، ويذل هذا ويخدم هذا مائة وصيف، وما أدرك هذا مد هذا‏.‏ ولا النصيف، إلا أريب إلا لبيب إلا حصيف‏؟‏ لا يعجبنكم استقامة غصن الهوى، فالغصن قصيف ها نحن قد شتونا ولعلنا لا نصيف‏.‏

سل الأيام ما فعلت بكسرى *** وقيصر والقصور وساكنيها

أما استدعتهم للموت طـراً *** فلم تدع الحليم ولا السفيهـا

دنت نحو الدنى بسهم خطب *** فأصمته وواجهت الوجيها

أما لو بيعت الدنيا بفـلـس *** أنفت لعاقل أن يشتـريهـا

يا من عمره يذوب، وما يتوب، إذا خرقت ثوب دينك بالزلل فارقعه بالاستغفار، فإن رفاء الندم صناع في جمع المتمزق‏.‏

يا هذا، إنما يضل المسافر في سفره يوماً أو يومين، ثم يقع على الجادة واعجباً من تيه خمسين سنة، يا واقفاً مع الصور خالط عالم المعنى، أما علمت أن تغريد الحمام نياحة، أنت تظن البلبل يغني، وإنما يبكي على أحبابه‏.‏

ليت شعري عن الذين تركنا *** بعدنا بالحجاز هل يذكرونا

أما لعل المدى تطاول حتى *** بعد العهد بيننا فنـسـونـا

أرجعوا حرمة الوصال فإنا *** لهم في الهوى كما عهدونا

لو صفت لك فكرة، كان لك في كل شيء عبرة، كل المخلوقات بين مخوف ومشوق، حر الصيف يذكر حر جهنم، وبرد الشتاء محذر من زمهريها، والخريف ينبه على اجتناء ثمار الأعمار، والربيع يحث على طلب العيش الصافي، أوقات الأسحار ربيع الأبرار، وقوة الخوف صيفاً، وبرودة الرجاء شتاءً، وساعات الدعاء والطلب خريف، إذا استحر الحر تقحم القحل، فطلق القسر الأرض، فلبست سربال الجدب، واحدت في حفش الذل، فلما طالت أيام الأيمة، أومأ إلى المراجعة الرجع، فبكت من قطراته لطول الهجر، فضحك لكثرة بكائه روض الأرض، فبنى البناء ريع الربيع، فنهضت ماشطة القدرة، لإخراج بنات النبات من مخدر الثرى، ففرشت الحلل بمصبغات الحلل، فسمع الورد هتاف العندليب، وحنين الدواليب، ففتح فاه مشتاقاً إلى مشروب، فإذا الطل صبوح، فقال ألا منادم‏؟‏ فأبت الأزهار مصاحبة من لا يقيم، فأجابه بعد الياس الياسمين، فقال أنا نظيرك في قصر العمر، والموانسة في المجانسة، فأشر أنت إلى المذنب، باحمرار الخجل، حتى أشير أنا إلى الخائف، باصفرار الوجل، فرأى البلبل طيب الاجتماع فغنى، فرنت ديار اللهو، فدخل الناطور والصياد، فاقتطف الناطور رأس الورد، واختطف الصياد البلبل الوغد، فذبح في الحال العصفور، وحبس الورد في قوارير الزور، وقيل للياسمين‏.‏ لم اغتررت بزور‏؟‏ ‏"‏أفحسبتُم أنما خلقناكم عبثاً‏"‏ فلما بكى الورد بكاء نادم على الاغترار، صلح للمتطيبين ‏"‏أنين المذنبين أحبُّ إلينا من زجل المسبحين‏"‏ فانتبه يا مخدوع، فالعمر الورد، والزجاجة القبر، والنفس البلبل، والقفص اللحد‏.‏

الفصل السابع والستون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

أخواني، المستقر يزول، والمقيم منقول، والأحوال تحول، والعتاب على الفاني يطول، وكم نعذل وكم نقول‏؟‏

سيقطع ريب البين بين الفريقـين *** لكل اجتماع فرقة من يد البـين

وكل يقضي ساعة بعـد سـاعة *** تخاتله عن نفسه ساعة الـحـين

وما العيش إلا يوم موت له غـد *** وما الموت إلا رقدة بين يومـين

وما الحشر إلا كالصباح إذا انجلى *** يقوم له اليقظان من رقدة العين

أيا عجباً مني ومن طول غفلتـي *** أومل أن أبقى وأنـى ومـن أين

أين قطان الأوطان‏؟‏ أين الأطفال والشمطان‏؟‏ أين الجائع والمبطان‏؟‏ أين حطان وقحطان‏؟‏ أين العبيد والسلطان‏؟‏ أين الباني وماطان‏؟‏ أين السقوف والحيطان‏؟‏ أين المروج والغيطان‏؟‏ أين المهاري والأشطان‏؟‏ أين الآجال والخيطان‏؟‏ أين المحب والحبيب في الثرى خطان، تعرف وتصدف ‏"‏هذا من عمل الشيطان‏"‏ الطريق الهادية واسعة الفجاج، والدليل ظاهر لا يحتاج إلى احتجاج، وأما بحر الهوى فما يفارقه ارتجاج، ما فيه ماء للشرب، بل كله أجاج، والعجب من راكب فيه، يتجر في الزجاج، كم مزجور عنه غرفته في لجة لجاج‏.‏

يا معاشر العصاة، قد عم الجدب أرض القلوب، وأشرفت زروع التقوى على التوى، فأخرجوا من حصر الذنوب، إلى صحراء الندم، وحولوا أردية الغدر عن مناكب العهود، ونكسوا رؤس الرياسة على أذقان الذل، لعل غيوم الغموم على ما تلف تأتلف، أخواني، قد بشر الرشاش فاثبتوا، وقد سال الوادي‏.‏

واحبس الركب علينا ساعة *** نندب الربع ونبكي الدمنا

فلذا الموقف أعددنا البكـا *** ولذا اليوم الدموع تقتنـى

زمناً كان وكـنـا جـيرة *** يا أعاد الله ذاك الزمـنـا

بيننا يوم أثيلات النـقـى *** كان عن غير تراض بيننا

إذا خرجت القلوب بالتوبة من حبس الهوى إلى بيداء الإنابة، جرت خيول الدمع في حلبات الوجد، كالمرسلات عرفاً، إذا استقام زرع الفكر، قامت العبرات تسقي، ونهضت الزفرات تحصد، ودارت رحا التحير تطحن، واضطرمت نار القلق تنضج، فحصلت للقلب بلة، يتقونها في سفر الحب، يا من لم يصبر عن الهوى، صبر يوسف، تعين عليك، حزن يعقوب، فإن لم تطق، فذل أخوته، يوم ‏"‏وتصدق علينا‏"‏ خوف السابقة، وحذر الخاتمة، قلقل قلوب العارفين، وزادهم إزعاجا ‏"‏يحول بين المرء وقلبه‏"‏ كلما دخلوا سكة من سكك السكون، شرع بهم الجزع في شارع من شوارع القلق، لما حرك نسيم السحر أغصان الشجر، أخذت ألسن قلوبهم في بث القلق، فكاد نفس النفس يقطع الحيازيم، لولا حزم التمسك‏.‏

للشريف الرضي‏:‏

وإني لأغرى بالنسـيم إذا سـرى *** وتعجبني بـالأبـرقَـيْن ربـوعُ

ويحني على الشوق نجديُّ مُـزنةٍ *** وبَرقٌ بأطراف الحجاز لَمـوعُ

ولا أعرف الأشجان حتى تشوقني *** حمائم ورق في الـديار وقـوع

في كل ليل تهب الرياح، ولكن نسيم السحر خاصية، ما أظنه تعطر إلا بأنفاس المستغفرين، لنفس المحب عطرية، تنم على قدر طيبة‏:‏

أحب الثرى النجدي من أجرع الحمى *** كأني لمن بالأجـرعـين نـسـيب

إذا هب علـوي الـرياح رأيتـنـي *** أغض جفونـي أن يقـال مـريب

المحبون على شواطئ أنهار الدمع تزول، فلو سرت عن هواك خطوات، لاح لك الخيام‏:‏

وصلوا إلى مولاهم وبقـينـا *** وتنعموا بوصاله وشـقـينـا

ذهبت شبيبتنا وضاع زمانـنـا *** ودنت منيتنا فمن ينـجـينـا

فتجمعوا أهل القطيعة والجفا *** نبكي شهوراً قد مضت وسنينا

كان بعض السلف يقول‏:‏ اللهم إن منعتني ثواب الصالحين، فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته، وكان آخر يقول إن لم ترضى عني فاعف عني، كان القوم زينة الدنيا، فمذ سلبوا تسلبت، خلت والله الديار، وباد القوم، وارتحل أرباب السهر، وبقي أهل النوم، واستبدل الزمان آكلي الشهوات بأهل الصوم‏:‏

كفى حزناً بالواله الصب أن يرى *** منازل من يهوى معطلة قفـرا

يا من كان له في حديث القوم ذوق، أين آثار الوجد والشوق‏؟‏ إذا طالت لبث الطين في حافات الأنهار تكامل ريه، فإذا نضب الماء عنه استلبت الشمس جميع ما فيه من رطوبة، فيقوى شوقه إلى ما فارق فلو تركت قطعة منه على لسانك لأمسكته شوقاً إلى ما فارقت من رطوبة، أشد الناس حباً لحديث الحجاز من سافر‏:‏

فكانت بالفرات لنـا لـيال *** سرقناهن من ريب الزمان

يا هذا كنت تدعي حبنا وتؤثر القرب منا فما هذا الصبر الذي قد عن عنا‏؟‏ كنت تستطيب رياح الأسحار وما تغير المحب ولكن دخل فصل برد الفتور، ولم تحرزه، فأصابك زكام الكسل، كنت في الرعيل الأول، فما الذي ردك إلى الساقة‏؟‏ قف الآن على جادة التأسف والزم البكاء على التخلف فأحق الناس بالأسى من خص بالتعويق دون الرفقاء‏:‏

يا صاحبي أطيلا فـي مـوانـسـي *** وناشداني بخـلانـي وعـشـاقـي

وحدثاني حـديث الـخـيف إن لـه *** روحاً لقلبي وتسهـيلاً لأخـلاقـي

ما ضر ريح الصبا لو ناسمت حرقي *** واستنقذت مهجتي من أسر أشواقي

داء تقادم عنـدي مـن يعـالـجـه *** ونفثة بلغت منـي مـن الـراقـي

يمضي الزمان وآمالي مـصـرمة *** ممن أحب على مـطـل وإمـلاق

واضيعة العمر لا الماضي انتفعت به *** ولا حصلت على علم من البـاقـي

بلى علمت وقد أيقـنـت يا أسـفـاً *** أني لكـل الـذي قـدمـتـه لاق

الفصل الثامن والستون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

أخواني‏:‏ من عامل الدنيا خسر ومن حمل في صف طلبها كسر وإن خلاص محبها منها عسر وكل عاشقيها قد قيد وأسر ‏"‏فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر‏"‏‏.‏

أرى الشهد يرجع مثل الصبر *** فما لابـن آدم لا يعـتـبـر

وخبره صادق في الحـديث *** فإن شك في ذاك فليختبـر

ودنياك فالق بطول الهـوان *** فهل هي إلا كجسر عـبـر

يا طالباً ما لا يدرك تمنى البقاء وما تترك كأنك بالحادي قد أبرك، وهل غير الحصاد لزرع قد أفرك‏؟‏

وكيف أشيد في يومي بـنـاء *** وأعلم أن في غد عنه ارتحالي

فلا تنصب خيامك في محـل *** فإن القاطنين على احتـمـال

يا من أعماله رياء وسمعة، يا من أعمى الهوى بصره وأصم سمعه، يا من إذا قام إلى الصلاة لم يخلص ركعة، يا نائماً في انتباهه إلى متى هذه الهجعة‏؟‏ يا غافلاً عن الموت كم قلع الموت قلعة‏؟‏ كم دخل دارك فأخذ غيرك وإن له لرجعة، كم شرى شخصاً بنقد مريض‏؟‏ وله الباقون بالشفعة، كم طرق جباراً فأشت شمله وأخرب ربعه، أفلا يتعظ البيدق بسلب شاه الرقعة‏.‏

يا عامر الدنيا إنما الدنيا دار قلعة كم مزقت قلباً بحبها، فرجع ألف قطعة إن خصت بطيب المذاق أغصت وسط الجرعة يوم ترحها سنة وسنة فرحها جمعة، إنها لمظلمة ولو أوقدت ألف شمعة، وهي مع هذا خائنة ولو حلفت بربعة، كم درست عليكم مجلدات‏؟‏ تقول ما هذه الأنفس مخلدات، أين الأقارب، أين اللذات‏؟‏ أفلا روائد ذهن للأخبار منتسمات، آه للقاعدات عن طلب المكرمات، آه للمستريحات لقد رضوا بمولمات‏:‏

ذهب العمر وفـات *** يا أسير الشـهـوات

ومضى وقتك في لهو *** وسهـو وسـبـات

بينما أنت على غـيك *** حتـى قـيل مـات

أخواني‏:‏ ما لقلب العزم قد غفل ولنجم الحزم قد أفل، مهلاً فشمس العمر في الطفل ومن لم يحضر الوغى لم يحرز النفل‏:‏

ثواني هـم فـلـم أقـره *** أوائل من عزمتي أو ثواني

فيا هندوان عن المكرمـات *** من لا يساور بالهند وانـي

يا معاشر العلماء أتقنعون من الصفات بالأسماء‏؟‏ أتؤثرون الأرض على السماء‏؟‏ أفي السكر أنتم أم في الإغماء أترضون بالثريا الثرى‏؟‏ أتغمضون العيون من غير كرى‏؟‏ أتنامون‏.‏ فمن يحمد السرى‏؟‏ أتحيدون وفي الأنف البرى‏؟‏ أتحلون عقد ‏"‏إن الله اشترى‏"‏ إنكم لأحق بالحزن فيما أرى، احضروا ناحية، لا تكلفكم الكرى‏:‏

يا قومنا هذي الـفـوائد جـمة *** فتخيروا قبل الندامة وانتـقـوا

إن مسكم ظمأ يقول نـذيركـم *** لا ذنب لي قد قلت للقوم استقوا

يا معاشر العلماء قد كتبتم ودرستم ثم إن طلبكم العلم فلستم في بيت العمل، ثم لو ناقشكم الإخلاص لا فلستم، شجرة الإخلاص أصلها ثابت، لا يضرها زعزع ‏"‏أين شركائي‏"‏ وأما شجرة الرياء فاجتثت عند نسمة ‏"‏وقِفوهم‏"‏ كم متشبه بالمخلصين‏؟‏ في تخشعه ولباسه وأفواه القلوب تنفر من طعم مذاقه واأسفي ما أكثر الزور‏؟‏ أما الخيام فإنها خيامهم، ليس كل مستدير يكون هلالا، لا لا‏.‏

وما كل من أومى إلى العز نالـه *** ودون العلى ضرب يدمي النواصيا

كم حول معروف من دفين ذهب اسمه كما بلى رسمه ومعروف معروف‏:‏

فما كل دار أقفرت دارة الحمى *** ولا كل بيضاء الترائب زينـب

لريح المخلصين عطرية القبول وللمرائي سموم النسيم، نفاق المنافقين صير المسجد مزبلة ‏"‏لا تقم فيه أبداً‏"‏ وإخلاص المخلصين رفع قدر الوسخ ‏"‏رب أشعث أغبر‏"‏‏.‏

أيها المرأى قلب من ترائيه بيد من تعصيه لا تنقش على الدرهم الزائف اسم الملك، فما يتبهرج الشحم بالورم، المرائي يتبرطل على باب السلطان، يدعي أنه خاص وهو غريب، أتردون ما ذنب المرائي‏؟‏ دعا باسم ليلى غيرها‏.‏ فيا أسفي ذهب أهل التحقيق وبقيت بنيات الطريق، خلت البقاع من الأحباب وتبدلت العمارة بالخراب، يا ديار الأحباب عندك خبر المخلص يبهرج على الخلق بستر الحال، وببهرجته يصح النقد، كان في ثوب أيوب السختياني، بعض الطول لستر الحال، وكان إذا وعظ فرق فرق من الرياء فيمسح وجهه ويقول ما أشد الزكام‏.‏

لصردر‏:‏

أحبس دمعي فـينِـدُّ شـارداً *** كأنني أضبط عبـداً آبـقـا

ومن محاشاة الرقيب خلتنـي *** يوم الرحيل في الهوى منافقا

كان أيوب يحيي الليل كله فإذا كان عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة‏:‏ لصردر‏:‏

أكلف القلب أن يهوى وأُلزمـه *** صبراً وذلك جمعٌ بين أضـداد

وأكتم الركب أوطاري وأسألـه *** حاجات نفسي لقد أتعبتُ روادي

هل مدلجٌ عنده من مبكر خبـر *** وكيف يعلم حال الرائح الغادي

إن رويتُ أحاديث الذين مضـوا *** فعن نسيم الصبا والبرق أسنادي

كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه‏.‏ وكان ابن أبي ليلى إذا دخل داخل وهو يصلي اضطجع على فراشه‏.‏

أفدى ظباء فلاة ما عرفن بـمـا *** مضغ الكلام ولا صيغ الحواجيب

مرض ابن أدهم فجعل عند رأسه ما يأكله الأصحاء، لئلا يتشبه بالشاكين، هذه والله بهرجة اصح من نقدك‏.‏

للعباس بن الأحنف‏:‏

قد سحَّب الناسُ أذيال الظنون بنا *** وفرَّق الناس فينا قولهم فِرَقـا

فكاذبٌ قد رمى بالظن غيركـمُ *** وصادقٌ ليس يدري أنّه صدقا

اشتهر ابن أدهم ببلد فقيل هو في البستان الفلاني، فدخل الناس يطوفون ويقولون أين إبراهيم بن أدهم‏؟‏ فجعل يطوف معهم، ويقول أين إبراهيم بن أدهم‏.‏

للمهيار‏:‏

ضناً بأن يعلم الناسُ الهـوى ولـمـن *** وهبتُ للسـرِّ فـيه لـذة الـعـلـنِ

عرِّض بغيري ودعني في ظنونـهـم *** إن قيل من يك يُخفي الحق في الظنن

قرئ على أحمد بن حنبل في مرضه أن طاوساً كان يكره الأنين فما أنَّ حتى مات‏.‏

لصردر‏:‏

تفيض نفوسٌ بأوصابهـا *** وتكتم عوّادها ما بـهـا

وما أنصفت مهجةٌ تشتكي *** هواها إلى غير أحبابهـا

لما هم الطبع بالتأوه من البلاء كشفت الحقائق سجف المحبوب فلم يبق لتقطيع الأيدي أثر‏:‏

بدا لها من بعد مـا بـدا لـهـا *** روض الحمى إن تشتكي كلالها

رحل والله أولئك السادة، وبقي والله قرناء الرياء والوسادة‏.‏

ذم المنازل بعد منزلة اللوى *** والعيش بعد أولئك الأقوام

أسمع أصواتاً بلا أنيس وأرى خشوعاً أصله من إبليس‏.‏

للمهيار‏:‏

تشبهتْ حورُ الظبـاء بـهـم *** إذا سكنتْ فيك ولا مثل سكنْ

أصامتٌ بناطقٍ ونافرٌ بـآنـسٍ *** وذو خـلاً بـذي شـجــنْ

مشتـبِـهٌ أعـرفـه وإنـمـا *** مغالطاً قلت لصحبي‏:‏ دارُ منْ

قف باكياً فيها وإن كنت أخـاً *** موانساً فبكِّها عـنـك وعـن

لم يُبق لي يوم الفراق فضـلةً *** من دمعةٍ أبكي بها على الدِّمَنْ

الفصل التاسع والستون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

يا من قد أرخى له في الطول وأمهل له بمد الأجل، إخل بنفسك وعاتبها وخذ على يدها وحاسبها لعلها تأخذ عدتها قبل أن تستوفي مدتها‏:‏

وجـدت أيامـي لـي رواحـلاً *** وآن ينحط عنـهـا الـراحـل

وصيح بي عرس فقد طال المدى *** وكل ركب في التـراب نـازل

تهدد الحين فهل من سامـع *** وجاء بالنصح فأين القـابـل

وكل شيء زاجر مـحـدث *** يفهم ما قال الحصيف العاقل

أخواني، بادروا قبل العوائق واستدركوا فما كل طالب لاحق، واشكروا نعمة من ستركم عن الذنوب، واعرفوا فضله فقد أعطاكم كل مطلوب، ما أعم وجوده لجميع خلقه وما أكثر تقصيرهم في حقه، عم إحسانه الآدمي والبهائم والمستيقظ والنائم والجاهل، والعالم والمتقي والظالم من تأمل حسن لطفه لخليقته حيره الدهش، خلق الجنين في بطن الأم فجعل وجهه إلى ظهرها لئلا يجري الطعام عليه، وجعل انفه بين ركبتيه ليتنفس في فراغ وسيق قوته في مصران السرة وليس العجب تغذيه لأنه متصل بحي، إنما العجب، خلق الفرخ في البيضة المنفصلة فإنه من البياض يخلق ومن المح يتغذى، فقد هيأ له زاد الطريق قبل سير الإيجاد، إذا تفقأت بيضة الغراب خرج الفرخ أبيض فتنفر عنه الأم لمباينته إياها، فيبقى مفتوح الفم لطلب الرزق فيسوق القدر إلى فيه الذباب، فلا يزال يغتذي به حتى يسود، فتعود أمه إليه، خلق الطير ذا جؤجؤ مخدد لتجري سفينة طيرانه في بحر الهوى، وجعل في جناحه وذنبه ريشات طوال لينهض للطيران ولما كان يختلس قوته خوفاً من اصطياده، جعل منقاره صلباً لئلا ينسحج ولم يخلق له أسنان لأن زمان الانتهاب لا يحتمل المضغ، وجعلت له حوصلة كالمخلاة، فينقل إليها ما يستلب ثم ينقله إلى القانصة في زمان الأمن، فإن كانت له فراخ أسهمهم قبل النقل كلما طالت ساق الحيوان طال عنقه ليمكنه تناول طعمه من الأرض، هذا طائر الماء لا يقف إلا في ضحضاح، فيتأمل ما يدب في الماء فإذا رأى ما يريد خطا خطوات على مهل فيتناول ولو كان قصير القوائم، كان حين يخطو يضرب الماء ببطنه فيهرب الصيد، هذه العنكبوت تبني بيتها بصناعة يعجز عنها المهندس إنها تطلب زاوية فجعلت فيها خيطاً، ووصلت بين طرفيها بخيط آخر وتلقي اللعاب على الجانبين فإذا أحكمت المعاقد ورتبت القسط كالسدى أخذت في اللحمة فيظن الظان أن نسجها عبث، كلا، إنها تصنع شبكة لتصيد قوتها من الذباب والبق فإذا أتمت النسج انزوت إلى زاوية ترصد رصد الصائد، فإذا وقع صيد قامت تجني ثمار كسبها فتغتذي به فإذا أعجزها الصيد طلبت زاوية ووصلت بين طرفيها بخيط ثم علقت بنفسها بخيط آخر، وتنكست في الهواء تنتظر ذبابة تمر بها فإذا دنت منها دبت إليها واستعانت على قتلها بلف الخيط على رجلها، أفتراها علمت هذه الصنعة بنفسها‏؟‏ أو قرأتها على بعض جنسها أفلا ينظر إلى حكمة من علمها‏؟‏ وتثقيف من ألهمها‏.‏

فإن لم يكن لك نظر يعجبك منها فيعجب من عدم تعجبك، فإن أعجب أفعال القدر ‏"‏ وأَضَلَّهُ اللهُ على علمٍ ‏"‏ القلب جوهر في معدن البدن، فاكشف عنه بمعول المجاهدة ولا تطينه بتراب الغفلة، رميت صخرة الهوى على ينبوع الفطنة، فاحتبس الماء، انقب تحتها إن لم تطق رفعها لعل الجرف ينهار‏.‏

في قربنا نيل المـنـى *** فتنبهوا يا غافـلـينـا

عجباً لقومٍ أعـرضـوا *** عنا وقوم واصَلـونـا

نقضوا العهود وبارزونا *** بالصدود كاشـفـونـا

واستعذبوا طعم القطيعة *** والجفا حتى نسـونـا

يا ويحهم لو قـد دروا *** ما فاتهم لاستعطفونـا

إلهي، ما أكثر المعرض عنك والمعترض عليك، وما أقل المتعرضين لك يا روح القلوب أين طلابك‏؟‏ يا نور السموات أين أحبابك‏؟‏ يا رب الأرباب أين عبادك‏؟‏ يا مسبب الأسباب أين قصادك‏؟‏ من الذي عاملك بلبه فلم يربح‏؟‏ من الذي جاءك بكربه فلم يفرح‏؟‏ أي صدر صدر عن بابك ولم يشرح‏؟‏ من ذا الذي لاذ بحبلك فاشتهى أن يبرح‏؟‏ يا معرضاً عنه إلى من أعرضت‏؟‏ يا مشغولا بغيره بمن تعوضت‏؟‏

مت على من غبت عنه أسفاً *** لست عنه بمصيب خلـفـا

لن ترى قـرة عـين أبـداً *** أو ترى نحوهم منصرفـا

بعت قيام الليل بفضل لقمة، شربت كأس النعاس ففاتك الرفقة، ضرب على أذنك لا في مرافقة أهل الكهف، تناولت خمر الرقاد، فوقع بك صاحب الشرطة فعمل في حقك بمقتضى قم وانم، فجعل حدك الحبس عن لحاق المتهجدين، والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بعمر نوح في ملك قارون لغبنت لا بل بما في الجنان كلها ما ربحت ومن ذاق عرف‏.‏

إخواني، اسمعوا بحرمة الوفاء فما كل وقت يطلع سهيل، فإذا خرجتم من المجلس فاقصدوا المساجد الخراب، وضعوا وجوهكم على التراب وابعثوا أنفاس الأسف وكفى بها شفيعاً في الزلل، فإن وجدتم قلوبكم قد حضرت فاذكروني معكم‏.‏

للشريف الرضي‏:‏

وقولوا لجيرانٍ على الخيف من منى *** تراكُمْ مَن استبدلـتُـمُ بـجـواريا

ومَنْ ورَدَ الماءَ الذي كـنـت وارداً *** به ورَعى العشبَ الذي كنت راعيا

فوا لهفتي كم لي على الخيفِ شهقةً *** تذوبُ عليها قطـعةٌ مـن فـؤاديا

الفصل السبعون ‏[‏تابع المواعظ‏]‏

يا تائهاً في بوادي الهوى انزل ساعة بوادي الفكر يخبرك بأن اللذة قصيرة والعقاب طويل واعجباً لمن يشتري شهوة ساعة بغم الأبد‏.‏ كانت المعصية ساعة لا كانت فكم ذلت بعدها النفس وكم تصاعد لأجلها النفس وكم جرى لتذكارها دمع‏.‏

للشريف الرضي‏:‏

قَضَتِ المنازلُ يومَ كـاظـمةٍ *** أنَّ المطيَّ يطولُ موقفُـهـا

سبقتْ مدامعُنا بـر شـتـهـا *** من قبلِ أن يومي مكفكفهـا

إن كنتُ أنفذتُ الدموعَ بـهـا *** فالوجدُ بعدَ اليومِ يُخلِـفُـهـا

لا تنشُـدَنَّ الـدارَ بـعـدهـمُ *** إني على الإقواء أعرفُـهـا

رفقاً بقلـبـي لا تـعـذبـه *** العينُ منكَ وأنتَ تَطرفُـهـا

في القلب منكَ جراحةٌ عظمت *** ما زلت أدملها وتقـرفـهـا

هل يعطِفَنَّكُـمُ تـوجُّـعُـهـا *** أو يُقبِلَنَّ بكُم تـلـهُـفُـهـا

يا من قد هبت على قلبه جنوب المجانبة فلفقت غيم الغفلة، فأظلم أفق المعرفة لا تيأس فالشمس تحت الغيم، لو تصاعد نفس أسف دارت شمالاً فتقطع السحاب، أنفع دواء أجده لك نقض أخلاط التخليط بالدموع، بضاعة المذنب دمعه، رأس مال المقر حزنه، راحة الأوّاب قلقه، عيشة التواب حرقه، كان آدم يبكي بعد هبوطه حتى يخوض في دمعه، فكان جبريل يأتيه فيقول كم هذا البكاء‏؟‏ ولسان حاله يجيب‏.‏

للشريف الرضي‏:‏

يا عاذل المشتاق دعـهُ فـإنـهُ *** يطوي على الزفراتِ غيرَ حشاكا

لو كان قلبكَ قلبهُ مـا لـمـتـهُ *** حاشاك مما عنـدهُ حـاشـاكـا

يا جبريل‏:‏ ما تغير عليك أمر وأنا نقلت من برد عيش إلى حر، ما سكنت قط مسكني ولا توطنت موطني، فاقرأ على ربعي سلامي وقل له لا تنس أيامي‏.‏

للمصنف‏:‏

إذا جزت بالغور عرّج يميناً *** فقد أخذ الشوق منا يمـينـا

وسلم علـى بـانة الـواديين *** فإن سمعت أوشكت أن تبينه

وروِّ ثرى أرضهم بالدمـوع *** وخل الضلوع على ما طوينا

وصح في مغانيهم أين هـم *** وهيهات أموا طريقاً شطونا

أراك يشوقـك وادي الأراك *** أالدار تبكي أم الساكنـينـا

سقى الله مرتعنا بالحـمـى *** وإن كان أورث داءاً دفينـا

وعاذلة فوق داء المـحـب *** رويداً رويداً بناقد بـلـينـا

فمن تعذلين أمـا تـعـذرين *** فلو قد نفقت دعت الأنـينـا

إذا غلب الحب صح العتـاب *** تعبت وأتعبت لو تعلمـينـا

ما زال آدم يشيم برق العفو فلما طال عليه الزمان حمّل صعداء الوجد رسالة شكوى ما علمت بمضمونها الرياح‏.‏

إذا بدا البرق من نجد طربت لـه *** وكدت من طربي أقضي لذكرهم

وتحمل الريح إن هبت شـامـية *** مني السلام إلى أطلال ربعهـم

فرض على أراعيهم وأحفظهـم *** على البعاد ويرعوني بفضلـهـم

يا معاشر المذنبين ، تأسّوا بأبيكم في البكاء، تفكروا كيف باع داراً قد ربي فيها وضاع الثمن، لا تبرحوا من باب الذل فأقرب الخطائين إلى العفو المعترف بالزلل، ما انتفع آدم في بلية ‏"‏وعصى ‏"‏ بكمال ‏"‏ وعلم ‏"‏ ولا رد عنه عز ‏"‏ اسجدوا ‏"‏ وإنما خلصه ذل ‏"‏ظلمنا ‏"‏‏.‏ قال سريّ‏:‏ بتُّ ببعض قرى الشام، فسمعت طائراً على شجرة يقول طوال الليل، أخطأت لا أعود فقلت لأهل القرية‏:‏ ما اسم هذا الطائر‏؟‏ فقالوا‏:‏ فاقد إلفه‏.‏

للمهيار‏:‏

تأوهـت تـأوه الأســير *** ورقاءُ ذات ورَقٍ نضـيرِ

تنطق عن قلب لها مكسورِ *** كانها تنطق عن ضمـير

لبيكِ يا حزينةَ الـصـفـير *** إن استجرتِ بي فاستجيري

لك الخيارُ انجدي أو غـوري *** وحيثما صار هواكِ صيري

قصي جناحي زمن فطيري *** *** أخواني، نفترق على هذه الحال غفلة شاملة ودموع جامدة لا بالله لا تفعلوا‏.‏

يا حادي العيس لا تعجل بنا وقف *** نجري دموع هواهم ثم ننصرف

فما يزال نسـيم مـن يمـانـية *** يأتي إلينا بـريا روضة أنـف

إذا رأيتم باكياً في المجلس فارحموه، وإذا شاهدتم قلقاً فاعذروه، لا تعجبوا من واجد ما لم تجدوه‏.‏

لابن المعتز‏:‏

دعوه ليطفي بالدموع حرارة *** على كبدٍ حرّى دعوه دعوه

سلوا عاذليه يعذروه هنـيهة *** فبالعذل دون الشوق قد قتلوه

لا تلوموا صاحب الوجد فما يرى بحضرته أحدا‏.‏

ظن الأراك لدى واديه أظعـانـا *** فما استطاع لما أخفاه كتمـانـا

فبان للركب ما قد كان يسـتـره *** عن كل مستخبر عن حب من بانا

كان أبو عبيدة الخواص يمشي في الطريق ويصيح‏:‏ وا شوقاه إلى من يراني ولا أراه‏.‏

هذا ولَهي وكم كتمتُ الـوَلَـهـا *** صوناً لحديث من هوى النفس لها

يا آخر محـنـتـي ويا أولـهـا *** أيام عناي فيك مـا أطـولـهـا

ليس للمحب قرار ولا له من الحب فرار، تعرقل وفات وخنق فمات‏.‏

ولي عبراتٌ تستـهـلُّ صـبـابةً *** عليك إذا برق الغمـام تـألّـقـا

ألفت الهوى حتى حلت لي صروفه *** ورب نعيم كان جالـبـه شـقـا

وأذهل حتى أحسب الصد والنـوى *** بمعترك الذكرى وصالاً وملتقـى

فها أنا ذو حالـين أمـا تـلـذذي *** فحي وأما سلوتي فلـك الـبـقـا

لو أشرفت على وادي الدجى لرأت خيم القوم على شواطئ أنهار الدموع، خلوا والله بالحبيب وطال الحديث، عين تبكي من المحبوب وأخرى تبكي عليه، لفظة تشكو منه وأخرى تشكو إليه‏.‏ ري تام لمحبته، وعطش محرق إلى رؤيته‏.‏

للمصنف‏:‏

الماءُ عندي قد طـمـا *** وأنا الذي أشكو الظّما

جسمي معي لكن قلبي *** عند سكان الحِـمـى

واهاً لهم لـو أنـهـم *** عادوا وجادوا لي فما

أرجو نوالاً مـنـهـمُ *** هيهات هم حبي ومـا

ميلي إلى غير الأولـى *** سكنوا فؤادي إنـمـا

أشكو إليهم مـنـهـمُ *** كلما يزيد وكـلـمـا

هجروا تفاقم أمرهـم *** يا ليتهم داووا كـمـا

جرحوا فلو طبوا شفوا *** هيهات لولاهم لـمـا

ذهب الزمان بأن أقول *** عسى وأرجو ربـمـا

يا أيها المضنى بـهـم *** لم يبق منك سوى الذما

فالذما كان الـوصـال *** فعاد مرّاً علـقـمـا

تركوك بعد فراقـهـم *** متحيراً تبـكـي دمـا

يا بانة الوادي ارحمـي *** من لا يزال متـيّمـا

يا نسمة الريح الشمـال *** ألا أبلغيهم بعض مـا

ألقى فحر سـمـائم الأ *** نفاس يكفي معلـمـا

نفسي تكابد وجـدهـا *** بكم فما فغرت فـمـا

لكن آثار الـمـحـبة *** ليس تخفـى أينـمـا